"تغريدة أثارت الجدل" تلك التي نشرها رئيس الوزراء آبي أحد بصورة له عبر حسابه على منصة "إكس"، وهو يصافح المسؤول بإقليم ما يسمى بـ" أرض الصومال" أو "صوماليلاند"، معلنا توقيعه على "مذكرة تفاهم تمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية، ولتعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الجانبين".
وقال آبي أحمد "إن مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، تهدف إلى أن تكون بمثابة إطار للشراكة متعددة القطاعات بين الجانبين، وبمثابة الطريق لتعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجانبين".
وتطورت الأحداث سريعًا، لتضع علاقات إثيوبيا مع جارتها جمهورية الصومال في مهب الريح ، حيث خرج الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في خطاب إلى شعبه، معلنًا أن توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، يعد "انتهاكًا صارخًا ضد القوانين الدولية ولا يمكن تنفيذه بأي حال من الأحوال"، مضيفا، "هذه الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا ربما ستعزز من تأثير الأفكار المتطرفة وتجرها للاستغلال بشكل خاطئ".
وحتى الآن لا يحظى إقليم أرض الصومال باعتراف دولي منذ إعلانه الاستقلال في عام 1991، في وقت يتمسك الصومال فيه بأنه جزء من أراضيه، وهو ما لفت إليه الرئيس الصومالي بتأكيده على "الوحدة الإقليمية للبلاد".
ونظرا لأن إثيوبيا دولة حبيسة وليس لها منفذ بحري أو أراضي على بحور أو محيطات، تسعى منذ تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء، للحصول على منافذ بحرية، من خلال توقيع العديد من الإتفاقيات من جاراتها المختلفة، إلا أن النزاعات التي تشهدها منطقة القرن الإقريقي، والخلافات بين أديس أبابا وأريتريا وغيرها أفشل غالبية هذه الإتفاقيات.
وتطورت الأمور سريعا بين الصومال وإثيوبيا، بإعلان الحكومة الصومالية إلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإدارة إقليم أرض الصومال، واستدعاء سفير الصومال لدى أديس أبابا ، للتشاور بشأن ما أسمته "انتهاك السيادة الصومالية"، كما وصفت مذكرة التفاهم بأنها "غير مشروعة ، ولا أساس لها من الصحة، وهي اعتداء سافر على السيادة الداخلية لجمهورية الصومال الفيدرالية".
ودعت الحكومة الصومالية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد"، إلى عقد اجتماع طارئ بشأن ما وصفته بـ"التدخل السافر التي تقوم به دولة إثيوبيا الفيدرالية ضد جمهورية الصومال الفيدرالية".
والسؤال المهم في هذه المرحلة، ما هو غرض إثيوبيا من هذه الإتفاقية مع إقيلم غير معترف به، خصوصًا أن من بين نصوص مذكرة التفاهم "استئجار إثيوبيا منفذا بحريا لأغراض عسكرية وتجارية في ميناء بربرة، مقابل حصول أرض الصومال على حصة من شركة الطيران الإثيوبية، وذلك في أعقاب إعلان أديس أبابا إعادة تشكيل قواتها البحرية في ظل كونها دولة حبيسة منذ الإستقلال في 1993، وإستقلال إريتريا عن إثيوبيا.
والسؤال الأكثر أهمية يتعلق بمصر، حيث أن المنطقة التي تريد أديس أبابا والتي تطل على البحر الأحمر هي الممر إلى قناة السويس، في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية الإثيوبية لحظة فارقة بسبب فشل مفاوضات سد النهضة على مدى 12 عامًا ودون التوصل لأي إتفاق حول المخاطر والمخاوف المصرية والسودانية من التشغيل الكامل للسد وتأثير ذلك على حصص مصر من مياه النيل.
وهناك سؤال آخر يتعلق بعلاقة إثيوبيا بإسرائيل، وإبرام اتفاق في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة، مما يفسره البعض بأنه إتفاق سيدعم إسرائيل من خلال إثيوبيا وبما ترتبطان به من علاقات، خصوصا أن كل من أديس أبابا وتل أبيب يتفقان في الأطماع المشتركة في المنطقة البحرية لمدخل البحر الأحمر، إمتدادًا لقناة السويس، مع أطماع أوسع في منطقة الربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، في مسعى إثيوبي، تشترك فيه إسرائيل من أجل تحركات وأنشطة القوات البحرية!.
وتمثل مذكرة التفاهم مع إقليم غير معترف به ويعتبر جزءا من جمهورية الصومال رسالة تفتيت لسيادة دولة، وإشعال لمنطقة إفريقية إستراتيجية، ويضيف لمعاناة هذه المنطقة المزيد من التوترات، وهو الأمر الذي حذرت منه مصر سريعًا.
ويبدوا أن أديس أبابا تلعب بالنار في منطقة من السهل جدًا إشتعالها من أصغر الشرر، فبدلاً من تهدئتها، راحت إثيوبيا تنفخ في هشيمها أكثر وأكثر، دون إدرك لمخاطر مصالحها الضيقة.
وحتما هناك وسائل وطرق دبلوماسية ومن خلال إتفاقيات دولية رسمية وذات سيادة ومُعترف بها أن تحقق كل دولة مصالحها، دون الإفتئات على مصالح دول الجوار.. فهل غاب ذلك عن إثيوبيا، أم أنها سياسة الأطماع في كل شئ، دون مراعاة لحقوق الآخرين وسيادة الدول.
نتمنى أن أن تتدارك أديس أبابا الخطأ قبل إضرام النيران دبلوماسيًا وتتطور لأكثر من ذلك.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري